كلمة لا يقولها الا الناس الطيبون ..الذين فى تسليمهم حياتهم لله وثقوا أن كل ما يأتيهم منه للخير ..ولهذا قبلوا كل النتائج ورضوا بكل العواقب ..ولا تسمع من لسانهم كلمة تذمر ..بل ما أكثر وما أعذب كلمات الشكر التى تنساب بها أفواههم ..
جمع كل ما كان يملك واشترى به عربة نصف نقل ..وكان يخرج بها فى الصباح بحثا عن لقمة عيش ويعود بها فى المساء .. وقد اعتاد قبل أن يعود أن يمر أولا على طلمبة البنزين ليعبئ جالون عربته حتى يعدها لعمل شاق فى يومه التالى .. ثم يمر على البقال والفكهانى والقصاب والخباز حيث يحضر طعام غده لبيته وبنيه .. ثم يعود الى منزله ليسلم زوجته آخر ما تبقى معه من أموال كى تختزن منه ما سيدفع فى آخر الشهر قسطا للسيارة التى لم يسدد كل ثمنها بعد ..
ولكنه فى هذه الليلة عاد مغموما ..فقد ظل طوال اليوم بلا عمل وانتظر أن يستأجره أحد فلم يجد ، ولم يدخل جيبه قرش واحد ..
وأرخى الليل سدوله وها قد أزفت الساعة التى اعتاد فيها على بيته وحاول أن يلبى كل مطالبه فلم يجد ..
كانت عربته قد مضى عليها يومان من غير أن يمتلئ مخزنها من الوقود ..وقد فرغ كل الوقود عدا القليل الذى يمكنه أن يرجعه الى داره وبالكاد ...
فعاد مهموما مغموما وبات ليلته ..بينما باتت سيارته أمام المنزل ..وصحا فى صباح اليوم التالى ليكتشف أن سيارته قد سرقت ومعنى هذا أن لقمة عيشه قد قطعت .
ذهب الى البوليس وسجل الواقعة ، وفى الطريق اكتشف واقعة أكبر ومفأجاة أعظم ..
رأى سيارته تقف على قارعة الطريق مفتوحة الأبواب ولم يضع منها شئ ، وكأنها على موعد معه تنتظره ..
وعرف أن اللصوص الذين شرعوا فى سرقة سيارته من أمام باب المنزل الذى يقطنه ، ما أن نجحوا فيما بغوا وقادتهم سيارته بضع أمتار حتى فرغ آخر ما تبقى فيها من نقطة نفط فخافوا أن يراهم أحد ، فهجروها فارين ..
هنا احس صاحبنا أن هذا الذى جرى كان بركة من بركات الفقر أو البطالة المؤقتة ..فلو كان يمتلك نقود فى أمسه لخسر عربته فى يومه ..ولو لم يكن الله قد اغلق احشاءه عن أن يرزقه فى يومه العابر لكانت خسارته فى يومه الحاضر اكبر واكثر ..
ألا ترون ان الله عندما لا يعطى ، يعطى ؟!! ...
(عن سلسلة من الحياة للقمص سيداروس عبد المسيح)
-----------------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق