27‏/08‏/2013

مصابيح موقدة فى غابات روسيا ج10






مكثت حنّة وماريا فى سلام تحت سقف قلايتهما المخفية بالجليد فى جهاد مستمر فى الصلاة والصوم واستمرتا على هذا الحال مدة ثلاثة أعوام ..

وذات مرة أثناء وجودهما فى الدير للتناول من الأسرار المقدسة ، أعلمت ماريا وحنّة أباهما الروحى الأب أشعياء ، الذى صار فى ذلك الوقت فى الإسكيم بإسم الأب أشعياء – أغناطيوس ، عن رغبتهما فى أن تستقل كل منهما فى مكان بمفردها .. وعندما تحدث الشيخ مع كل منهما على إنفراد فرح جداً لتقدم إبنتيه فى جهادهما الروحى فى حياة الصمت و الصلاة وسمح لهما بأن تحيا كل منهما فى مغارة منعزلة واهتم بإقامة مغارة خاصة لحنّة فى مكان آخر داخل الغابة ..

وبسرعة حان وقت رحيل الأب أشعياء أغناطيوس من هذا العالم .. فرقد فى الرب فى اليوم العشرين من شهر أبريل عام 1852 م .

بعد نياحة الأب أشعياء ، عانت ماريا بسماح من الله العديد من التجارب والأحزان ..ففى البداية كان يعتريها الخوف بسبب رؤى الشياطين التى كانت تُخيفها أحياناً فى مناظر مفزعة ليلاً وأحياناً كانوا يظهرون لها فى شكل أبيها الشيخ المتنيح كأنه قادم إليها من النافذة أو كأنه يقرع على باب القلاية ...

وذات ليلة ، إنتظرت ماريا بفارغ الصبر ، بزوغ الفجر ، بعد أن قضت ليلة رهيبة ، بسبب ما أثاره عدو الخير أمامها من المناظر المفزعة ، فأسرعت إلى الدير لطلب صلوات وإرشاد الأب جيراسيموس الذى صار أباها الروحى بعد نياحة الأب أشعياء ، فأعطاها زيتاً مقدساً من القنديل المُضاء أمام رفات القديسين ونصحها بأن تحتمل هجمات الشياطين دون أن تنزعج من صياحهم أو مناظرهم لأنهم لا شئ ، وعليها أن تُصلى بصوتٍ عالٍ .. وأن الشيطان لا يستطيع أن يفعل شيئاً للإنسان المسيحى المُسلح بعلامة الصليب والصلاة من كل قلبه ...

*يتبع ***يتبع *** يتبع ***يتبع *** يتبع *** يتبع*
( عن سلسلة أنا هو لا تخافوا (8) ترجمة دير الشهيد العظيم أبى سيفين للراهبات لسنة 1999 )

مصابيح موقدة فى غابات روسيا ج9



أرسل الأب أشعياء أربعة رجال من عمال الدير اتهيئة المغارة ، التى كانت تُقيم فيها الأم أكولينا ، لتكون صالحة للسكنى ..وتبعهم الأب الشيخ وفى صحبته ماريا وحنّة ..
وبعد جهد كبير استطاع العمال أن يكشفوا باب المغارة الذى قد تغطى بالجليد والأتربة..

كانت مساحة المغارة تبلغ 7 أقدام مربعة ، بها نافذة صغيرة من الزجاج ..ففى الركن الأيمن مقابل الشرق ، يوجد لوحين من الخشب مثبتين ببعضهما بطول الحائط بغرض استخدامهما كمقعد للجلوس أو كسرير للنوم ليلاً ..

وأثناء قيام العمال بالعمل فى المغارة ، جلس الأب الشيخ على جزع شجرة كان مقطوعاً بينما ظلت إبنتاه واقفتين مقابله تنصتان إلى تعاليمه .. وبعد إنتهاء العمال من العمل دخل الأب الشيخ المغارة ورش داخلها وخارجها بالماء المصلى ورشم الجهات الأربعة للقلاية بعلامة الصليب ثم ثبت أيقونة فى ركن الصلاة ووضع بجوارها ثلاثة كتب : الكتاب المقدس باللغة السلافونية القديمة، وكتاب صلوات السواعى "الأجبية" ، وكتاب المزامير .

وقد أحضر الأب أشعياء من بيت الضيافة بالدير غلاية وإناء فخارى لعمل الحساء وقدحاً خشبياً كبيراً وطاستين من الخشب وملعقتين وسلطانية مجوفة من الخشب ودلوين كما ترك لهما أيضاً فأساً وكوريكاً لكل منهما ... أما الماء فكان يمكن لهما الحصول عليه شتاءً من الجليد وفى الصيف من مجرى الماء الذى يجرى فى مضيق بين جبلين بالقرب من المغارة ، أما مؤونة الطعام فكانت عبارة عن نصف جوال من دقيق الشعير .. وكيس بطاطس و طحين الشوفان ونصف جرة ملح وقليل من البصل .. وأعلم الأب إبنتيه الناسكتين بكيفية صناعة الخبز وتجفيفه .. أما بالنسبة للزيت فقد نسى إحضاره معه .. أما هما فقد استغنتا عنه ..

ثم أعلمهما أبوهما الشيخ ، بأنهما تستطيعان المجىء إلى الدير فى الأعياد الكبرى للتناول من الأسرار المقدسة ..
فرحت ماريا وحنّة جداً ، وشكرتا أباهما ومعلمهما الشيخ ، وودعتاه إلى خارج المغارة ، فإنصرف بعد أن باركهما ..

*يتبع ***يتبع *** يتبع ***يتبع *** يتبع *** يتبع*
( عن سلسلة أنا هو لا تخافوا (8) ترجمة دير الشهيد العظيم أبى سيفين للراهبات لسنة 1999 )

24‏/08‏/2013

مصابيح موقدة فى غابات روسيا ج8



جلس الأب الشيخ أشعياء مع حنّة أولاً وسمع إلى اعترافها ثم شجعها وقواها وأعلمها بأنه سيهيئ لها مكاناً داخل الغابة الكثيفة ..

ثم جلس مع ماريا إبنة شقيقه ، واستعلم منها عن كل أمورها الروحية من ممارسة الصلوات العقلية والقلبية ..ثم أعطى لكل منهما قانوناً روحياً مقتدياً بالقوانين التى أعطاها الملاك للأنبا باخوميوس يتضمن : قضاء النهار والليل فى الغابات التى إختارتها ..وحدد لحنّة قراءة المزامير وعدد من الميطانيات مع قراءة منتظمة للكتب المقدسة ..وصلاة يسوع التى يجب أن ترددها باستمرار طوال اليوم حتى أثناء قيامها بالعمل اليدوى أو تناولها للطعام حتى لا تتشتت من الخارج بأى أفكار ..أما ماريا فكان قانونها هو الصلاة القلبية الداخلية الصامتة ..

وأوصى الأب الشيخ كلاً من ماريا وحنّة بعدم الإنشغال بالحديث مع بعضهما البعض فى أى أمر فيما عدا للضرورة القصوى جداً بما يتفق مع قانونهما الروحى النسكى فى الصحراء .

ثم استدعى الأب أشعياء تلميذيه ، الأب دانيال والأب جيراسيموس وأوصاهما بأن يهتما بكل ضرورات هاتين العابدتين ليس فقط فى حياته بل أيضاً بعد نياحته ..وأن يحرصا على إقامتهما فى مكان بعيد داخل غابات الدير التى تبعد عنه خمسة أميال ...

*يتبع ***يتبع *** يتبع ***يتبع *** يتبع *** يتبع*
( عن سلسلة أنا هو لا تخافوا (8) ترجمة دير الشهيد العظيم أبى سيفين للراهبات لسنة 1999 )

مصابيح موقدة فى غابات روسيا ج7






مغادرة ماريا للعالم :

كان ذلك فى الصباح الباكر من يوم شديد البرودة ، فإرتدت كلا من الفتاتين المتجولتين معاطفهما الثقيلة وغطتا رأسيهما بإيشارب وحملتا حقائبهما الصغيرة على أكتافهما وسارتا عبر الأشجار فى طريق الغابة الكثيفة المميز بأشجار الصنوبر والتنوب ..

كان يُخيّم على هذه الغابة المقفرة الهدوء والسكون ..حتى صوت حفيف الأشجار لا يُسمع فيها بسبب الثلوج الثقيلة المتراكمة عليها ..فقط كان الثلج يلمع على أوراق الشجر الخضراء وسطح البحيرات الموجودة على طول الطريق فى Vazhe Lake عندما تسقط عليها أشعة الشمس الحمراء وقت شروقها ..

وعندما عبرتا الغابة ، رأت المتجولتان ، من على بُعد ، شخصاً يقف على الطريق يحمل فأساً على كتفه ..كان ذا لحية صغيرة مختلط شعرها بالبياض ..قصير القامة وشديد البنية ..وكان يرتدى معطفاً به حزام من الجلد ويعلو رأسه غطاء أسود ..وعندما تقدمت الفتاتان نحوه الواحدة تلو الأخرى ، نظر الشيخ إلى ماريا بنظرة ثاقبة وبتركيز مثبتاً نظره عليها وهو يبتسم إبتسامة رقيقة كلها مودة ثم ربت بيده على كتفها ..وقال لها :" ألا تعرفينى يا ماريا ؟ إنك إبنة أخى . لقد أرسلك الله .."
تقدمت ماريا وسجدت أمام قدمىّ الشيخ ذارفة دموعاً غزيرة وقالت له :" سامحنى يا أبى أنا الخاطئة وباركنى فإننى لم أرَك منذ زمن طويل ..فأنا فى طريقى للسؤال عنك ..هل دير القديس نيسيفوروس بعيد عن هنا ..؟"

أجابها الأب أشعياء :
"إنه على بعد ثلاثة أميال ..هيا بنا إلى بيت الضيافة الذى بُنىّ حديثاً هنا والذى تهتم بشأنه الأم أكولينا..فكما تريان كل هذا المكان المبارك مازال شاغراً ..ليت الله يبارككما ويكون لكما نصيب للإقامة فى مغارة صغيرة به ..استريحا لمدة يوم أو إثنين وصليا بالكنيسة ثم نصعد بعد ذلك سوياً إلى الدير ، فسوف أقودكما بنفسى إلى مغارة الأم أكولينا داخل الغابة ".

شعرت الفتاتان برهبة ورعدة شديدة تجاه شفافية وبصيرة الشيخ الروحية إذ علم بفكرهما واشتياقاتهما دون أن تتحدثا معه بكلمة واحدة ...

*يتبع ***يتبع *** يتبع ***يتبع *** يتبع *** يتبع*
( عن سلسلة أنا هو لا تخافوا (8) ترجمة دير الشهيد العظيم أبى سيفين للراهبات لسنة 1999 )

مصابيح موقدة فى غابات روسيا ج6



ذات يوم ذهبت ماريا لمقابلة الآباء الشيوخ الذين كانوا يعيشون فى الغابات خلف نهر اللوفات وكشفت لهم عن اشتياقاتها الداخلية ، وأنها ترغب فى الاقتداء بجهاد العذارى القديسات اللواتى عشن حسب مرضاة الله فى حياة الوحدة والصلاة الدائمة بعيداً عن مجد العالم ..وترجت الآباء الشيوخ بدموع ليصّلوا من أجلها حتى يُعلمهم الرب عن الطريق الذى يجب أن تسلك فيه ..فنصحها الأب الروحى لهذه المنطقة ، بأن تُصلى وتصوم لمدة سبعة أيام حتى يكشف لها الله عن إرادته...  

وبكل فرح نفذت ماريا نصيحة الأب الشيخ وضاعفت جهادها أثناء أسبوع صيامها ..وكانت لا تأكل سوى القليل من الخبز والماء فى المساء فقط ..وعند بزوغ الفجر ، كانت تقوم بالعديد من الميطانيات بحرارة ذارفة دموعاً غزيرة ..وفى اليوم الثامن عادت إلى الغابة حيث يُقيم الأب الشيخ ، فأشار عليها بالذهاب إلى الشمال فى Vazhe Lake حيث يقيم المتوحد الأب أشعياء شقيق والدها وأنها ستعرف منه التعليم الخاص بالحياة التى يُسر بها الله .

انتقل باسيليوس – والد ماريا – إلى السماء ، فورث إبنه الأكبر المتزوج مع أخيه الأصغر مناصفة ممتلكات والده ..وأعطى والدته وأخته ماريا بناء على رغبتهما جزءاً من أرض الحديقة التى تحوى أشجار التفاح وأشجار الصنوبر الكثيفة ، حيث بنى لهما بيتاً صغيراً فى هذا المكان بناءً على رغبة الأم الأرملة التقية وإبنتها ، اللتين فضلتا الحياة بعيداً عن ضوضاء المجتمع للتفرغ للعبادة والصلاة لله .

ذات مرة ، أثناء وجود ماريا فى كييف ، تقابلت فى بيت ضيافة الغرباء مع فتاة بسيطة تكبر عنها فى العمر قليلاً تدعى حنّة ، فقدت والديها وكانت تشتاق أن تُكرس حياتها لله ..

أحبت ماريا رفيقتها حنّة جداً ..فبدأت تُحدثها عن عزمها على الحياة فى الغابات عندما يحين الوقت ويسمح الله بذلك ..ثم دعتها لتحيا معها ومع والدتها فى بيتهما الصغير تحت أشجار التفاح ..

لم يكد يمر عام واحد حتى تنيحت والدة ماريا فى شيخوخة صالحة ..وبالرغم من أن الوقت كان شتاء ، إلا أن كلاً من ماريا وحنّة قررتا الذهاب إلى دير القديس نيسيفوروس ليأخذا مشورة وبركة الأب أشعياء فيما يتعلق بإقامتهما فى الغابات ..

*يتبع ***يتبع *** يتبع ***يتبع *** يتبع *** يتبع*
( عن سلسلة أنا هو لا تخافوا (8) ترجمة دير الشهيد العظيم أبى سيفين للراهبات لسنة 1999 )

للأمانة

للأمانة فى حالة نقل أى معلومات من المدونة يرجى ذكر اسم المدونة وعنوانها :

ادخل ايميلك ليصلك كل جديد

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner