وفى فصل الربيع دعت ماريا مطرونة من
بلدتها بعد أن استعادت صحتها ، لتُقيم فى القلاية مع بيلاجية ، وكن يذهبن إلى
الدير فقط للاعتراف عند الأب بروخوروس ، أما عن التناول من الأسرار المقدسة فكان
يذهب إليهن الأب الشيخ جيراسيموس فى البرية .. ولكم ماريا لم تدُم طويلاً هذه
المرة فى الغابة ... فقد اُنهك جسدها بسبب الرحلة الطويلة التى قامت بها إلى
الجنوب ثم مرة ثانية من الجنوب إلى الشمال ، وما صاحب ذلك من مُعاناة الجو والصقيع
، فقد تأثر جسدها بالرطوبة العالية التى عاشت فيها في مغارة ستافروبول إذ عانت
ماريا منذ ذلك الوقت من حمى وآلام الأسنان وعظام الوجه .. وازدادت آلامها ووصلت
إلى الذروة فى أواخر
يناير عام 1860 م.. فقد
ازداد الألم فى وجهها وفكيها ولم يكن لديها أى دواء أو علاج ..
فى هذه الآونة ، هبت عاصفة ثلجيى مصحوبة
برياح شديدة على الغابة واستمرت هذه العاصفة عدة أيام ، واكتسى كوخ ماريا المنخفض
بالثلوج الكثيفة ولم يكن هناك أية إمكانية للخروج منه ..وكانت ماريا فى ذلك الوقت
بمفردها .. وقد أدرك الأخ اندرو المحب لله مدى الخطر الذى تتعرض له ماريا بسبب هذه
العاصفة ، فقام فى الحال بمجرد أن سكنت العاصفة وأخذ معه كوريكاً وعتلة وخرج على
الزحافات حتى وصل إلى مغارة ماريا .. وبعد جهد كبير شق طريقاً لمدخل المغارة
مزيلاً أكواماً من الثلج .. وعند رؤيته لها لم يستطع أن يكف عن البكاء لما تُعانيه
عابدة الرب من آلام مبرحة ..فنصحها بضرورة إقامة أحد معها وإلا ستموت بمفردها ..ثم
تركها وعاد بسرعة إلى القرية على زحافات الجليد ليُحضر لها دواء لألم الأسنان ..
رجع أندرو إلى ماريا حاملاً إليها زجاجة
صغيرة من الدواء ونصحها بوضع القليل منه على إصبعها ودهن مكان الألم ..ثم انصرف
دون أن ينتظر نتيجة العلاج الذى أحضره لأنه خشىّ أن يضل الطريق فى ظلام الليل بسبب
أكوام الثلج ..أما ماريا التى كانت تجهل استخدام الدواء ، فقامت من شدة الألم
وبللت قماشة بالدواء ووضعتها على فكها العلوى ، وفى الحال انهالت دموع المسكينة
بسبب الآلام الرهيبة التى عانت منها بسبب وضع القماشة المبللة بالدواء على فكها
الملىء بالجروح وكاد قلبها يتوقف من شدة ما تُعانيه من ألم ..
حاولت ماريا بكل ما تملك من عزيمة أن
تستجمع قواها وتصرخ إلى الله الذى يُقيم الموتى .. فقامت وغطت رأسها بمعطفها الصوف
..وخرجت خارج الكوخ قاذقة من فمها مادة الدواء .. وخوفاً من أن تُنهى حياتها دون
أن تنال صلوات الكنيسة ، فكانت تبكى بشدة متوسلة إلى الله من عمق قلبها ليساعدها
للذهاب إلى الدير .. فأخذت زحافات الجليد وعصا بيدها وكلها إيمان وعزيمة بضرورة
ذهابها إلى الدير للتناول من الأسرار المقدسة والتبرك بصلوات الآباء قبل رحيلها ..
عضدت قوة الله الفائقة القدرة ماريا ، فقد
حاولت أن تقتفى أقدام أندرو فى الطريق ، ولكن المسكينة لم تكن تكاد تنهض حتى تقع
سريعاً وسط الثلوج فاقدة وعيها ثم تحاول النهوض مرة أخرى ثم تسقط وهكذا ... ولكنها
لم تيأس من مواصلة السير لأنها كانت تُذكر نفسها باستمرار بضرورة وصولها إلى الدير
لئلا تموت دون أن تتناول من الأسرار المقدسة ..
ولم تتخل َ عناية الله عن هذه الناسكة
العابدة حاملة إكليل الإيمان الذى لا يُقهر فى المسيح يسوع ..
*يتبع ***يتبع *** يتبع ***يتبع *** يتبع ***
يتبع*
( عن سلسلة أنا هو لا تخافوا (8) ترجمة دير
الشهيد العظيم أبى سيفين للراهبات لسنة 1999 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق