02‏/09‏/2013

مصابيح موقدة فى غابات روسيا ج12





توجهت ماريا للجهات المختصة وقدمت لهم الوثيقة المطلوبة ثم توجهت إلى أندرو وترجته بدموع بأن يبنى لها كوخاً صغيراً وأعطت له روبلين ليستأجر عامل ليقوم بعمل كوخ خشبى يُشبه المظلة ، به موقد حجرى ، فى مكان آخر فى الغابة خلف ممر ضيق بين حبلين ..
وأمام إلحاحها ، نفذ لها أندرو ما طلبته ، وأقامت ماريا  فى هذا المكان الجديد طوال فترة الشتاء ..

وفى بداية فصل الربيع فى العام التالى ، تغيرت إدارة الدير ، فقد أُستدعى الأب دانيال إلى أولونتز حيث رُسم رئيساً لدير "بوليوستروف" ، كما فضل الأب متروفان أن يقضى بقية حياته فى حياة توحد وخلوة تامة ... فعُين مكانه الأب سيلفيستر رئيساً للدير ...

أما ماريا ، فقد ظلت فى كوخها الجديد الذى لم يكن أحد يعرف مكانه فى بداية الأمر سوى الأب جيراسيموس والأب تريفون وأندرو ، وكان الأب جيراسيموس يزورها من حين إلى آخر ، وكان يجد عزاء ً كبيراً لما لها من نفس التفكير والمنهج الروحى الذى اعتاد عليه .. فكانت نفسه تتعزى جداً عند رؤيته لماريا وهى تُمارس الصلاة الدائمة وكان يشكر الله باستمرار لعدم انقطاع هذه الصلاة والجهاد الروحى فى غابات الدير ... إلا أن عدو الخير لم يهدأ له بال ، فقد ثار مرة ثانية وهيج المسئولين فقاموا بالبحث عن عابدات الرب الساكنات فى الغابات التابعة لدير القديس نيسيفوروس ، فلم يتمكنوا من الوصول إلى مكان حنّة لإختفائها فى أعماق الغابة ،أما ماريا فقد تتبعوا أثار الأقدام الموجودة على الطريق حتى استطاعوا الوصول إليها ..

وبتهديدات رهيبة وقسوة شديدة خرجت ماريا من كوخها وهى تذرف دموعاً ساخنة ، ولكنها لم تفتح فاها بكلمة واحدة ..بل فى صمت أخذت أيقونتها وكتبها وانصرفت خارجة أمام أعين مُضطهديها وانطلقت فى الطريق المؤدى إلى القرية ولكنها لم تُغادر الغابة تماماً بل ظلت مختفية بين الأشجار الكثيفة على أمل العودة مرة ثانية إلى مكانها بعد هدوء الأحوال ... أو على الأقل محاولة نقل أخشاب الكوخ إلى مكان آخر ، ولكنها لم تعِش فى هذا الأمل إلا بضعة دقائق إذ سرعان ما أُصيبت بإحباط شديد عندما رأت تصاعد دخان كثيف وسمعت صوت فرقعة لهيب حريق الأخشاب وعندما اتجهت ببصرها نحو الصوت ، رأت عن بُعد أن مصدر الحريق هو مكان كوخها الذى طُردت منه ..

دوى فى الغابة صدى صوت ماريا التى رفعت ذراعيها نحو السماء وهى تصيح من أعماق قلبها قائلة :
" إلهى أنت حياتى ، أنت نورى ، أنت مرشدى ، أنت حصنى ووجودى .. أنت نسمة حياتى يا سيدى وإلهى ، يا من خلقتنى إرحمنى " .

ثم انطرحت على الأرض وهى تُدرك تماماً أن الله لا يُريدها أن تبقى فى هذا المكان أكثر من ذلك ..
لم يكتفِ عدو الخير بذلك بل أوعز للمسئولين بضرورة طرد عابدة الرب من المنطقة كلها ، فجاءها بلاغ بضرورة عودتها إلى بلدتها وإلا سيتم ترحيلها عن طريق البوليس .
أخبر أحد الرهبان الأب جيراسيموس بالبلاغ الصادر ضد ماريا وبالظروف التى حلت بها ، فتأثر الشيخ جداً وذرف دموعاً فى صمت ثم استدعى إليه الأب تريفون وقال له :
" إن ما حدث هو حرب من حروب عدو الخير سمح بها الله من أجل اتضاع ماريا .. فاذهب إليها واعلمها بأنه يجب ألا تُسلم نفسها للحزن بل يجب أن تخضع لإرادة ومشيئة الله وعنايته وتدبيره ...

فقد سمح الله لها أن تمر بهذه التجربة كما يختبر الله دائماً كل القديسين بالتجارب .. فأوصيها بألا تتضايق أو تتذمر من أولئك الذين طردوها بل يجب أن تحتمل فى صمت وانصحها بأن تُبارك مُضطهديها وأن تُصلى من أجلهم وتغفر لهم كما أوصانا الكتاب وحينئذ سيغدق الله عليها مراحمه .. كما طلب منها الذهاب إلى أرضها بالقرب من "سترايا روس" والانتظار هناك حتى يُراسل بعض محبى الله فى بطرسبرج الذين كانوا يعرفون الشيخ الأب أشعياء أغناطيوس ويكرمون ذكراه .. ويطلب منهم أن يصنعوا رحمة مع ابنته بأن يجدوا لها مأوى فى مكان آخر ... كما سيكتب أيضاً إلى الأب ثيوفان فى القوقاز ليقدم طلباً إلى الأب الأسقف أغناطيوس بريانتشانينوف ، وسوف يجد فى إبروشيته مكاناً مناسباً لها .. كما سيكتب للأرشيمندريت أغناطيوس رئيس دير القديس سرجيوس .

كتب الشيخ هذه الخطابات وسلمها لأندرو ليرسلها بالبريد كما أعلم ماريا بما كتبه بشأنها ... فعادت ماريا إلى بلدتها تبعاً لنصيحة أبيها الروحى إلى أن يُدبر لها الرب مكاناً مناسباً ...
قُبل إلتماس الشيخ جيراسيموس من جميع مسئولى الجهات المُرسل إليهم بفرح وسرور .. وقد أظهر الأب الأرشيمندريت أغناطيوس وجميع الآباء رفقائه من دير القديس سرجيوس القريب من بطرسبرج عطفاً تجاه قاطنة الغابة .. وأُعلمت ماريا بعد ذلك بالتوجه إلى الجنوب .

اتفقت ماريا مع مطرونة ابنة شقيقتها – التى كانت تقضى معها فترات فى الغابة من حين إلى آخر – على الرحيل سوياً إلى الجنوب وقبلت مطرونة بفرح أن تتبع خالتها ماريا أينما ذهبت .


  *يتبع ***يتبع *** يتبع ***يتبع *** يتبع *** يتبع*
( عن سلسلة أنا هو لا تخافوا (8) ترجمة دير الشهيد العظيم أبى سيفين للراهبات لسنة 1999 )

ليست هناك تعليقات:

للأمانة

للأمانة فى حالة نقل أى معلومات من المدونة يرجى ذكر اسم المدونة وعنوانها :

ادخل ايميلك ليصلك كل جديد

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner