إنه حقاً يحّول الشر إلى خير :
لقد كان الصوت الإلهى إلى يونان بن أمتاى :
+"قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادى عليها لأنه قد صعد شرهم أمامى " (يون 1:1).
+إن نينوى مدينة الدمار (نا 3 : 1 ) ، عاصمة الإمبراطورية الأشورية ، والتى شيدت على الضفة الشرقية من نهر دجلة ، وكان شعبها من أصل بابلى (تك 10 : 11) ، صارت قصة عبر الأجيال فيها ظهر حب الله وعنايته للإنسان فلم تكن مسرته فى إهلاك الناس بل مسرته فى رجوعهم إليه ..أجل صار الصوت إلى ذاك النبى اذهب نادِ عليها ..
+ وفكر يونان فى نفسه ، لقد كان واثقاً تمام الثقة فى حب الله وعفوه ..فكر أحقاً يهلك الله المدينة ؟ لذا نراه يتراجع عن الدعوة هارباً إلى ترشيش ..
+ وفى إحدى سفن ترشيش كانت وجهته ، وبمجرد أن أبحرت السفينة واذ بنوء عظيم فى البحر ..رياحاً شديدة تلطم السفينة ..السفينة تكاد تنكسر ، البحارة فى صراخ ويونان فى أعماقها مضطجعاً بل نائماً نوماً ثقيلاً (يون 1: 5 ).
+ إنه شر محقق وأذى لا ذنب فيه للبحارة والمسافرين .فى المظهر شر بسبب يونان ، ولكن ما ذنب الرجال ؟
+ الملاحون يصرخون كلٍ إلى إلهه ، دون جدوى ..طرحوا الأمتعة التى فى السفينة لعل طرحها يخفف عنها ... الموت المحقق والشر يحيط بهم من كل اتجاه ويونان فى أعماقها نائماً ؟ !!!
+ بسبب من هذه البلية ؟ لابد من إلقاء قرعة ، فالقوا قرعة فوقعت على يونان (يون 1 : 7- 9 ) .
+ أخبرنا يا يونان : بسبب من هذه المصيبة علينا ؟ ..
+ وما هو عملك ومن أين أنت وما هى أرضك ؟...
+ ومن أى شعب أنت ؟ ...
+إنها أسئلة حائرة كانت تدور فى عقولهم لعلهم يجدوا إجابة شافية تنقذهم من هذه البلية ؟ لقد كان يونان يدرك أن عصيانه وهروبه هما مصدر البلية لهم ، ولم يكن يعلم أن بليته لهم خيراً !! ولم يكن يعلم أنه بهربه سيخلص أهل السفينة أما هو فلن يُمس بأذى ..إنها معاملات الله مع أولاده .
+لقد كان يدرك تماماً فى أعماقه أن البحر هائج عليه ، وليس على الملاحين ، وكان يعلم أنه هارب من وجه الرب لذا أجابهم : " خذونى واطرحونى فى البحر فيسكن البحر عنكم لأنى عالم أنه بسببى هذا النوء العظيم عليكم " ( يون 1: 11).
+إنه لمن المدهش حقاً أن يطلب منهم أن يلقوه فى البحر ؟ ...فما دمت أنت عالم أن هذا كله بسببك ، فلماذا لا تلقى بنفسك ، ولا توقع بالآخرين شراً ؟! وإن كان يعلم أنه سبب المصيبة فلماذا لا يغادر السفينة ويغيّر اتجاهه ؟ !
+ إنها خطط من خطط المحبة الإلهية ...يترك العواصف ترتفع، والزوابع تهب ، والرياح تعصف بما حولها ، والنوء يعلى إلى أقصى ارتفاعه ، ولكن هيهات للسفينة أن تغرق أو تنكسر لأن ربانها ماسك بقلاعها ، يخفف من حمولتها وارتباطاتها الأرضية ولكن النجاة أكيدة والهدوء آتٍ لا محالة ، إنها طُرقه الأكيدة ، حتى لو نام يونان فى مؤخرة السفينة فلن يهلك حتى لو عجز لسانه عن الصراخ والاستغاثة حيناً فهو بناج لأن ربانها هو حاميه .
+ كان البحر يزداد إضراباً عليهم فصرخوا إلى الرب وقالوا "آه يارب ..لا نهلك من أجل نفس هذا الرجل ، ولا تجعل علينا دماً بريئاً ، لأنك فعلت كما شئت ، ثم أخذوا يونان وطرحوه فى البحر فوقف البحر عن هيجانه " ( يون 1: 14 ، 15 ) .
+توقف البحر عن هيجانه بعد أن أُلقى يونان فى قاعه ، لم يحتاجوا فيما بعد إلى نوتيه تساعدهم ولا إلى حبال لإنقاذ السفينة ، وكأنما كان يونان هو الذى يهزها هزاً من أعماقها حتى وهو نائم .
+ كان فى حينها الخوف يملأهم ، والشر يطاردهم من كل ناحية ، ماذا نفعل وما ذنبنا؟ ولم يعلموا أنها لخلاصهم ودعوتهم إلى العشرة الإلهية ..." فخاف الرجال من الرب خوفاً عظيماً وذبحوا ذبيحة للرب ، ونذروا نذوراً ( يون 1: 16 ) .
+لقد ملأ الإيمان قلوبهم ، فقدموا شكرهم وحبهم ، ونذورهم وتقدمتهم ، فكان شر يونان لهم خيراً ، لم تُمس سفينتهم ،ولم يُضر أحد من أسرهم ، بل الكل فى إيمان الرب دخلوا و حول ذبيحة التفوا ، ولحبه نذروا ، إنها العناية الإلهية بل المحبة الأبوية ...
وللحديث بقية...
(عن كتاب العناية الإلهية للقمص فليمون الأنبا بيشوى)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق