أرسلت الأم إبنها إلى أبيه ( ترزى رفا ) ، ليحضر عشرة قروش تشترى به ( فول أو طعمية ) لتضعه أمام أولادها الخمسة طعاماً للغذاء ...
ومكث الابن بجوار أبيه طيلة النهار . ولم يدخل زبون واحد ، وأحس الابن بشكوى الأب ، ونقل هذا الأمر بكل أمانة إلى أمه ، حيث عاد إليها فى الرابعة من مساء ذلك اليوم .
فلم تندب الأم حالها الذى دعاها لأن ترتبط بفقير مثل هذا ، ولم تُشّهد أولادها على خلو يدىّ زوجها ، ولم ترغمه على الاقتراض من غريب أو قريب ، ولم تتمرد على بختها الأسود ، ولم تلعن ذلك اليوم الذى صارت فيه عروساً و زوجة ، ولم تتذمر على الله .
فماذا فعلت إذن ؟
جمعت كل أولادها وحكت لهم قصة عن والدتها أى جدتهم ، كيف كانت تقول أن العيش المقمر (أى الخبز المشوى) يقوى النظر ، وقالت لهم : لنجرب هذا ، وأوقدت موقدها ، وأحضرت ما تبقى لديها من الخبز ورشته بالماء المملح ، وجعلت تقمر هذا الخبز ، والأولاد يأكلون ويمرحون ويفرحون ...
وهنا بعد أن إمتلأت بطونهم قالت لهم : يا أولاد أنتظروا قليلاً ، لا تملأوا بطونكم حتى تستطيعوا أن تتناولوا الغذاء .
فأجابوها أنهم أكلوا وشبعوا ولن يستطيعوا أن يتغذوا مرة أخرى .
فقالت لهم : وماذا أفعل بالطعام الذى سيحضره والدكم معه ؟
ولم يحس الأطفال بلغة الأم الحكيمة إلا بعد أن كبروا وصاروا رجالاً ، عرفوا كم كانت الأم تستر على ضعف زوجها وفقره ...
والغريب أن الذى حكى لى هذه القصة واحد منهم ...
حكاها لى وهو يسوق عربته الخاصة ويخرج بها من موطن عمله ، بينما أصطف السعاة لتحيته ، وفتح الباب ، وتسهيل مهام خروجه ، ليظهر أن هوة كبيرة ساحقة بين بدايته ونهايته ..
إنها يد الله وإصبعه .. وعمل الله مع منسحقى النفس ومنكسرى القلب ...
(عن سلسلة مِن الحياة لأبونا سيداروس عبد المسيح)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق