31‏/05‏/2012

بين الخيال و الواقع




يلذ لى أحياناً أن أغمض عينى وأحلم ، لأننى فى أحلامى أرى أشياء جميلة لا يقدمها لى الواقع .
ثم يعود الواقع فيجذبنى إليه ، ويرغمنى أن أفتح عينى لأرى ... حتى أكون إنساناً عملياً ، ولا أحيا فى الخيال .
غير أني من خبراتى العملية ، أرى أن أشياء جميلة جداً فى واقعنا كانت من قبل خيالاً أو فى حكم الخيال .
ويشجعنى هذا على الثقة والإيمان بأن كثيراً من الأمور التى أحلم بها الآن ، وأراها فى خيالى ، ستحولها نعمة الله فى يوم من ما إلى واقع عملى ...
وأنا فى خيالى ، بل فى إيمانى ، أرى ذلك اليوم الذى ستعمل فيه النعمة لتحقيق الخيال ، كأنه قائم الآن .
إذن المسافة هنا بين الواقع والخيال ، هى بالإيمان مجرد فارق زمنى ، وليست فارقاً بين الحقيقة والوهم .

( عن كتاب خبرات فى الحياة ج2 لمثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث )

15‏/05‏/2012

قصة مزمار




فى ليلة من ليالى الشتاء القارصة ، جمع حطاب أثناء سهره ، قطع من الخشب لكى يستدفئ بها ، وعندما علمت تلك الخشبة الملقاة وسط قطع الخشب مصيرها توسلت وهى باكية محدثة الحطاب بأن يرحمها ويتركها ولكنه كان ذو قلب غليظ قاس ، فأجابها بالرفض معللاً ذلك لأنها عديمة الفائدة وأكثر ما يمكن أن يستفاد به منها هو أن يستدفئ بها فى تلك الليلة القارصة البرودة .
فى ذلك الوقت تصادف مرور رجلاً مسناً ، وقد سمع توسلات قطعة الخشب ورأى دموعها . فتقدم ذلك المسن إلى الحطاب وطلب منه تلك الخشبة ، فأمتنع الحطاب أولاً بحجة أنه سوف يستدفئ بها ، ولكن ما أن عرض عليه الرجل المسن مبلغ من النقود مقابل قطعة الخشب وافق . لكنه تساءل متحيراً كيف يدفع هذا المسن هذه النقود فى تلك الخشبة عديمة الفائدة؟
أما الرجل المسن فأخذ الخشبة ولم يمش، ولكنه جلس بجوار الحطاب وأخرج من جيبة سكينة صغيرة ، وبدأ يقشر ما عليها من قشور ، وفرغ ما بداخلها من حشو وثقب فيها عدة ثقوب .
هذا كله حدث أمام الحطاب الذى كانت نظراته تلاحق وتتابع فى دهشة واستغراب عمل ذلك المسن .
أما قطعة الخشبة فكانت تبكى متألمة طالبة الرأفة من الرجل المسن الذى قال لها لو تركتك ومضيت حتماً ستقعين فى يد من لا يرحمك ويكون مصيرك كالهباء ، ثم قال لها تحملى قليلاً فإن هذه الآلام تؤول لمنفعتك .
استمر الرجل المسن فى عمله إلى نهايته، ثم نظر إلى الحطاب الذى كان مذهولاً مستغرباً لما يحدث ، وأخذ شهيقاً طويلاً ، وأدخل السكين إلى جيبه مرة أخرى ، وبدأ يضع أطراف أنامله على الثقوب التى فى قطعة الخشب وبدأ يرفع فوهتها إلى فمه ثم نفخ فيها وهو يحرك أصابعه ويلاعبها على الثقوب وكم كانت دهشة الحطاب عندما سمع تلك النغمات المبدعة التى سرعان ما استوقفت المارة وجمعت شتاتاً من الناس أتوا على صوت أنغام الغابة ، ووقفوا فى إنصات عجيب أمام السيمفونية الرائعة التى عزفها ذلك الرجل المسن، وهم يتطلعون إلى ملامحه الهادئة .
وما أن انتهى الرجل المسن من عزفه حتى صفق له الجميع وانحنوا له فى إعجاب . ومنهم كثير من أرادوا شراء الخشبة أقصد المزمار ، وبمبالغ كثيرة ....
فى ذلك الحين نظر الرجل المسن إلى الحطاب وقال له أمازلت متعجباً بسبب ما دفعت لك ثمناً لهذه الخشبة حقاً إنها فى يدك لا قيمة لها لكن انظر كم تكون قيمتها الآن ؟!!!

( عن جريدة الكتيبة الطيبية _ ديسمبر 2006 )

للأمانة

للأمانة فى حالة نقل أى معلومات من المدونة يرجى ذكر اسم المدونة وعنوانها :

ادخل ايميلك ليصلك كل جديد

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner